أسمع صوت طقطقة الخشب المريعة.. وأشم رائحة الدخان العارم المقيت.. وألمح الناس يتدافعون في قوة.. فأرتجف.. أبتلع ريقي في صعوبة.. أقدّم رجلاً وأُؤخر أخرى.. ثم أذهب إلى حيث يحتشدون.. أزيح كل الذين أمامي في رهبة.. مذهولا.. أرمي ببصري وسط اللهيب.. محاولا الوصول لشيء من رؤية..
حتى ألمح "إبراهيم".. مبتسماً وشامخاً.. يرمق كل هذا بتسامح لا حد له.. ويهمس بكلمات لا يسمعها أحد.. يا "إبراهيم".. يا "إبراهيم".. والنار التي لا ترحم.. تزداد تأججاً.. تغلي وتفور.. تبتلع كل شيء.. وتقترب حثيثاً من "إبراهيم".. أضع يدي على قلبي لأخفي شدة خفقانه.. أواري عينيّ في يأس.. وأبتعد للوراء.. هارباً من شدة الحرارة..
ولكني.. أرى عجباً.. المارد الأزرق الرهيب.. يتأجج وينطفئ.. يلف ويدور حول "إبراهيم".. في تتابعات دوامية عنيفة.. متلألئاً بآلاف الألوان.. هاذياً بأصوات عالية مرعبة.. وكأنه يتشمم "إبراهيم" في تؤدة.. وكأنه يتعرف عليه.. يصعد ويهبط.. يدنو ويبتعد.. ثم يمضي فجأة متخبطاً.. لا يلوي على شيء..
النار.. النار.. ولكنه لا يلبث أن يعاود الارتفاع.. على حين غرة.. يبدو مندفعاً.. وهو يخترق جموع الناس التي لم تفق بعد من ذهولها.. فيصرخون في هلع.. يتدافعون.. يتخبطون.. وهم يحاولون الابتعاد عن طريقه.. بيد أني لا أنجح في أن أفعلها وأهرب.. أجده أمامي فجأة.. ثم حولي.. ثم فيّ..
كان "إبراهيم" ما يزال يبتسم.. ويهمهم بترتيلاته الربانية.. وأنا أصرخ في ألم.. في رعب.. في جنون.. والدخان الأسود الكثيف.. يختلط برائحة الشواء النفاذة.. وهمهمات الناس التي بدت وكأنها آتية من عالم خيالي سحيق.. ورفرفة أجنحة الطيور التي فرت فزعة لبعيد...